Mon manifeste d'amour au peuple 2/3
 




Mon manifeste d'amour au peuple 3/3


I-SLAM : ISLAM POSTMODERNE








Accès direct à l'ensemble des articles منفذ مباشر إلى مجموع المقالات
(Voir ci-bas انظر بالأسفل)
Site optimisé pour Chrome

mercredi 22 mai 2013

Aux lumières de l'islam 8

ما في السلفية من إسرائيليات وما في الصوفية من روح إسلامية



ليس هناك مسلم حق يعرف دينه وتاريخ أمته ينكر مدى ما لعبته الإسرائيليات في فهم ديننا وتصريف أحكامه ومقاصده حسب ما اعتادته ودأبت عليه في الديانتين اليهودية والمسيحية وقد جاء الإسلام مصححا لهما، عائدا بهما لما سمّاه الحنيفية المسلمة، وهي دين إبراهيم، جد كل الموحّدين.
لقد تغلغلت الإسرائيليات بصفة كبرى في دين الإسلام حين فرض نفسه بسماحة تعاليمه وبساطتها. فكان محور هذا الدين الجديد التسليم من العبد لربه العلي القدير الذي يضمن له مقابل ذلك حريته كاملة تمجيدا لعقله الذي طلب منه دوام إعماله في حياته بهذه الأرض الدنيا.
وبما أن العلاقة في الإسلام بين الله ومخلوقه جاءت بدون وساطة، فقد عملت الإسرائيليات، أو الفكر الموسوم بطابعها، على إدخال الكنيسة أو البيعة من الشباك، وقد أخرجهما الإسلام من الباب، وذلك على هيأة الفقيه، بينما كل مسلم فقيه في الإسلام الأصلي إذا عرف لغة ملّته وأحسن قراءة دينه وفهم سنة رسوله.
ونحن عندما نتكلم عن الإسرائيليات، لا نريد ضرورة الحديث عن كل من لم يكن مسلما بداية، من يهود أو نصاري، ثم أسلم وبقي كمونا على دينه؛ ليس هذا مقصدنا وإن كان ذلك لا يبعد أحيانا عن الواقع كما بيّنه التاريخ. إن الذي نريد الإشارة إليه هو أن الفكر العربي الذي كان منتشرا عند ظهور الإسلام كان إما فكرا ملحدا (بالمعنى الأول للكلمة، أي ذلك الذي يميل عن دين الجماعة سواء إلى ديانة أخرى مرفوضة، أو خاصة إلى لا ديانة)، وكان هذا قليلا، أو فكرا يهوديا مسيحيا، وذلك هو الأغلب.
جاء الإسلام في هذه البيئة، لا ناشرا فقط عادات وتقاليد حديثة لم تُعرف، إذ كان ذلك خاصة على مستوى فلسفة الحياة وقيمة الإنسان فيها، بل أساسا لتصحيح ما فسد من العادات اليهودية والمسيحية التي عرفها المجتمع وعاش بها وعليها. فالإسلام عودة إلى الدين القيم، دين إبراهيم؛ لذلك، فهو يقر باليهودية والمسيحية بعد تنديده بما لحقهما من تحريف وتبديل. وهكذا، نجد الكثير في دين الإسلام مما عرفه اليهود وأقر به النصارى؛ إلا أن له في القرآن والسنة الصحيحة تلك المسحة الخاصة والطابع المميّز؛ وذلك هو الإسلام الحنيفي.
وقد عرفنا هذا في العديد من المسائل التي جاء الإسلام ثوريا فيها، مجدّدا ومطوّرا العقلية المتزمتة كما كانت في العادات اليهودية والتقاليد المسيحية. وبديهي أن مثل هذه الثورية ميّزت الحنيفية المسلمة عما عُرف عند اليهود وأتباع المسيح مما فاجأ العديد من المتشبثين بالقديم وما عهدوا في دينهم، أو قل في حياتهم اليومية وفي تصرفاتهم، سواء منها الشعورية واللاشعورية.
ولا شك أن هذه الميزة الإسلامية كانت خاصة في إقراره حرية العبد في الاعتقاد، وسمو ذاته عن العبودية لغيره، إذ حرر الله المسلم من كل عبودية. وقد تمثلت هذه الميزة أيضا في التعاليم المتسامحة للقرآن في التعامل مع قضايا ذلك المجتمع وتناقضاته، خاصة في المواضيع الحساسة كالحدود، إذ تميّز بطابع تغلب عليه الرحمة في نزعة للتدرج من القساوة والفظاظة، وقد كانتا العلامة المكينة لتلك الحقبة الزمنية، إلى الرحمة والغفران.
ولا داعي هنا للتذكير بالعديد من المسائل التي كان القرآن فيها رحيما عفوّا، مناقضا أحكام اليهودية والمسيحية. ويكفي أن أشير إلى موضوعين كنت أفردت لهما مقالتين مطولتين بالأدلة الشافية والبراهين الكافية في تميّز الإسلام عن الديانتين المسيحية والموسوية، وهما موضوع اللواط الذي لا يحرّمه الإسلام الحق خلافا للعهدين القديم والجديد، وموضوع الردة التي ليس فيها أي تجريم إسلامي، مخالفا في ذلك ما أُقر عند أهل الكتاب.
قلتُ أن الإسلام ثورة أساسا، إلا أنها لم تكن فقط ثورة دينية واجتماعية، بل كانت أولا وقبل كل شيء ثورة فكرية وعقلية. وطبعا، ونحن نعيش هذا في بلادنا اليوم، لكل ثورة ما يأتي من النظام القديم المنهار ليضادّها؛ والنظام العقدي المنهار في جزيرة العرب عند ظهور الإسلام وانتشاره هو عقيدة الكتاب المقدس لأتباع موسي وعيسى. لذلك رأينا هذا النظام المنحل يحاول مقاومة نظام الإسلام الجديد بالعودة به إلى تقاليد غريبة عنه ولكنها متغلغلة في قلوب أصحابها وعقولهم الشيء الذي جعلها طبيعة ثانية عندهم.
لست أقول هنا أن هؤلاء عملوا قصدا على تغيير الإسلام وتبديله من الداخل. نعم، هناك من كان على هذه الشاكلة، فسعى ضد الإسلام وأراد الشر له؛ لكن الأغلبية تصرفت حسب طبعها وما دأبت عليه. فقد نشأت وترعرعت على عقلية معينة مشبعة بالإسرائيليات التي أصبحت القاسم المشترك في العادات الإجتماعية. لذا، لما جاء الإسلام بتعاليمه، تداخلت معها وكستها بما كانت تمتاز به، فحادت ببعض مميزات ديننا عن روحها الأصلية الأصيلة.
وطبعا، نحن نذكّر بما لاحظه مؤرخنا ابن خلدون من أن حملة العلم في الإسلام كانوا من غير العرب، أي من الموالي؛ وقد امتازوا بمعرفة اللغة العربية والدين الإسلامي بشكل جعلهم يخدمونه خير خدمة؛ ولعل حضارة الإسلام لم تكن بدونهم. فهكذا، أنا لا أقلل من شأن الموالي ولا من الأيادي البيضاء التي لهم على الإسلام وعلى العربية. إلا أني أنبّه إلى ما لا يرفضه اليوم علم النفس، وهو أن هؤلاء، حتى في نزاهتهم وخدمتهم الصادقة للإسلام، كانوا ينطقون ويفكّرون من منطلق مسيحي يهودي، أي حسب ما عرفوه من إسرائيليات، كما عهده مجتمعهم.
وقد سجل لنا التاريخ إلى أي حد وصل ذلك النزاع الذي بقي طويلا خفيا مخفيا، أو قل كامنا داخل اللاوعي،عندما نشبت الشعوبية وبرز كلّ يدافع عن قيمه وأخلاقيته. وطبعا، لم تُذكر الإسرائيليات في هذه الحرب الفكرية رغم أنها كانت منها وفيها، ذلك لأنها تغلغلت تغلغلا كبيرا جعلها تفقد صبغتها الدينية لتصبح من العوارض الإجتماعية.
لقد ظهرت الشعوبية منذ العهد الأموي، ولو أنها لم تفرض نفسها إلا في العصر العباسي لما كان من دور للأعاجم في قيام دولة بني العباس؛ وما سجله التاريخ هو أنها نزعة لتفضيل العجم على العرب. ولا شك أنها كانت ردّة فعل على ما عُرف به العهد الأموي من سيطرة مطلقة للعرب واحتقار للموالي، فكانت منهم الثورة هذه التي بدأت كدعوة مطالبة بالتسوية قبل أن تصبح حركة تحقير للعرب. وهكذا، أفصحت عن مشاعرها القومية، بما فيها من جذور دينية مناهضة لروح الإسلام الحقة، عائدة بتعاليمه في فهمها وتأويل مقاصدها إلى العادات اليهودية والمسيحية، أي السامية بالمعنى الواسع، التي كانت معروفة قبل الإسلام.
ولا يهمنا هنا الجانب السياسي للشعوبية بقدر ما يعنينا ما مثّلته من تمييع للمفهاهيم العربية الخالصة للدين وصبغها بصبغة العادات والتقاليد التي جاء الإسلام ثائرا عليها؛ فلقد كانت بحق ثورة مضادة على الإسلام وروحه الحقة. ولنبيّن مجددا هنا أن هذا لم يكن يتم ضرورة عداء للإسلام، إذ نجد الكثير ممن عمل صادقا على خدمته وإعلاء رايته؛ إلا أنه كان يفعل ذلك من زاويته التي هي ثقافته الأصلية وفكره المتأصل فيه، وهو من الغرابة والاختلاف بمكان عن الفكر العربي القح والعقل العربي الأصيل.
وقد تفطن الصوفية إلى هذا، فعملوا على التأكيد أن الإسلام ليس في الرسم والحرف فحسب، بل هو أيضا وضرورة في الروح التي في باطن النص. لذلك تمكّنت صوفية الحقائق من المحافظة على روح الدين الإسلامي في سماحته وبعده عن التطرف ورفض الآخر، كل آخر، مخالف كان أو متطرّف، سواء كان ذلك في الطرافة والجدة أو في الابتعاد عن المعهود والبدعة.
لهذا قلت وأكرر هنا أن الصوفية هي السلفية الحقيقية اليوم، أي تلك التي تأخذ بروح الدين الإسلامي الحقة؛ أما السلفية التي بشوارعنا، وبخاصة السلفية الجهادية، فهي سلفية الأكاذيب، إذ هي تحاول مواصلة التأصيل في الإسلام لما بدأ به كل من أخذ بالإسرائيليات في ديننا، فبعد به عن روحه السمحة وعن رحابة صدره لكل مختلف. ولعل أكبر دليل على ذلك ما تدعّيه السلفية الجهادية من وجوب الجهاد، بينما أغلق الإسلام الصحيح بابه نهائيا عندما انتشر وأصبح كونيا، فاتحا باب الجهاد الوحيد الممكن اليوم، وهو الجهاد الأكبر، أي مجاهدة النفس الأمارة بالسوء.
فالسلفية الجهادية، وهي أعلى درجة الآخذين بالإسرائيليات، تترك الجهاد الأكبر، الذي يبقى ذلك الواجب الكبّار على الدوام لتزكية النفس التي دعا إليها الإسلام وحث، لتتعاطى ما تعرف جيّدا أن بابه أغلق، من جهاد صغّير، لا نفع فيه، بل كل المضرّة، وذلك لحاجة في نفس يعقوب... هداها الله لمحجته ولدعوة رسوله الأكرم، دعوة التآخي والمحبة!

وقع تحيين المقالة ونشرها تحت عنوان :